
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ


الحمد لله رب العالمين أمرنا جماعة المؤمنين بأداء الأمأنات إلى أهلها فقال عز وجل
"أن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الْأَمَأناتِ إلى أَهْلِهَا وَإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء 58)

سبحأنه سبحأنه جعل بالأمأنة سر سعاده الأفراد والجماعات والمجتمعات وجعل عباده المسلمين في هذه المهمه أمناء وصادقين منفذين لأمر رب العالمين عز وجل

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العمل بشرعه رضاه وفي تنفيذ أوامره سعاده الدنيا والنجاه يوم لقياه

وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله الأمين المأمون الأمين على وحي السماء والأمين على تعاليم الأنبياء والأمين على كل الاشياء التي استودعها عنده الاعداء

اللهم صل وسلم وبارك سيدنا محمد وارزقنا جميعا التوفيق لما يحبه الله ويرضاه وما كأن عليه حبيب الله ومصطفى في سنته الفعليه والعمليه مدى الحياه

أيها الأحبه جماعه المؤمنين: يقول نبينا صلى الله عليه وسلم وهو اصدق القائلين بعد رب العالمين
"لا إيمان لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له"( رواه الإمام احمد عن أنس رضي الله عنه)


لمإذا جعل الأمانة هي العلامه على صدق الإيمان فإذا كان الأنسان غير امين كان غير صادق في الإيمان بالله
لأن الإيمان إذا دخل إلى تجاويف القلب وأنتشر النور في حنايا الفؤاد راقب صاحب هذا القلب رب العباد تبارك وتعإلى فتورع أن يعمل عملا لا يحبه الله أو يعمل عملا لا يرضي ما اتفق عليه مع خلق الله
وأنما يعمل العمل أولا ليرضي مولاه ولينفذ ما وعد به واتفق عليه في شرع الله وما اتفق عليه أيضا مع خلق الله

فاول الأمانة أمانة الكلمه:
ألا ينقل الإنسان كلاما من إنسان سمعه منه إلى إنسان آخر وخاصه إذا افضى بذات نفسه إليه وكاشفه بسر لديه ولا يريد أن يطلع عليه احد سواه وعلامه ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيها:
"إذا حَدَّثَ الرجلُ الحديثَ ثم التَفَتَ فهي أمانةٌ" (رواه الترمذي عن جابر رضي الله عنه)

إذا كان اخوك يتحدث معك جالسا أو واقفا في أي مكان ثم تلفّت حوله لينظر هل هناك من يستمع إليه فاعلم أن هذا الحديث أمانة فلا تبح بكلمه واحدة منه إلا بعد استئذان من صاحبه
ومن نقل هذه الكلمه يسمى قتات أو نمام وقد قال صلى الله عليه وسلم :
"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه"

هذه واحده بها صلاح الأفراد اجمعين لأن معظم مشاكل الأفراد من القيل والقال الذي ينتقل إليهم من بعضهم لبعض والذي ينقل الحديث قد يزيد فيه أو ينقص فلا ينقله على حقيقته ويسبب فتنه بين رجلين أو بين عائلتين أو بين دولتين ولذلك كانت هذه الفتنه اشد من القتل


الصورة الثانيه للأمانة:
هي الأمانة في العمل وكل عمل نظّم الإسلام له قواعد شرعيه ينبغي أن يراعيها صاحب العمل في عمله فلا يتجاوز هذه القواعد الشرعية
فإن تجاوز هذه القواعد الشرعية ومشى على هواه فقد خان الأمانة لأنه لم يعمل بقول حبيب الله ومصطفاه
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" (أخرجه أبو يعلى والطبراني عن عائشة رضي الله عنها)
لابد أن يتقن العمل

مثال لذلك:
التاجر الصدوق الأمين الذي يبعث يوم القيامه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين


هو الذي يوفي الكيل وهو الذي يوفي الميزان وهو الذي لا يغش في ثمن ولا يحتكر سلعه ليرفع ثمنها على المسلمين ولا يستغل سذاجه المشترين فيبيعهم البضاعه بأثمانها مضاعفه عدة مرات


ولذلك روي أن رجلا كان يعالج سكرات الموت في زمن الإمام ابو حنيفه النعمان رضي الله عنه ويتحدثون معه فيتحدث فإذا قالوا له قل لا إله إلا الله وقف لسانه ولم يتحرك فذهبوا إلى الامام أبي حنيفة لعلهم يجدون له حلا فذهب معهم فسأله مإذا كنت تعمل؟
قال كنت تاجر حبوب
قال وما الذي يمنعك من الكلام؟
فنظر إلى السقف فنظر الإمام إلى السقف فوجد فيه قفه كبيره فقال أنزلوها فوجد فيها مكيالين كيل صغير كان يبيع به وكيل كبير كان يشتري به من غيره

فقال لهم هذا الذي عقل لسانه ومنعه من النطق بالشهادتين .
"وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" (من 1 :6 المطففين)

وكذلك الصانع في أي مهنه اتفق على الأجر المناسب للعمل الذي يعمله لا يغالي في الثمن استغلالا لجهل الناس لهذه الصنعة ويجب عليه أن يوفيها حقها ويتقنها ويؤديها كما ينبغي فإذا فعل ذلك كان مطعمه حلال ودعائه مجاب وأولاده بررة واتقياء ومباركين وعمله كله مقبول عند رب العالمين.

أما إذا تغالى في الثمن استغلالا لجهل الإنسان الذي يعامله بثمن هذا العمل أو لم يؤدي هذا العمل كما ينبغي فهذا يقول فيه صلى الله عليه وسلم "مَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا" (رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)


وهذا يغش المسلمين ولا ينبغي عليه أن يفعل ذلك حتى يكون من المتقين الذين يحبهم رب العالمين تبارك وتعإلى


وكذلك الطبيب في مهنته والمهندس في مهنته والمدرس في عمله وكل امرئ في عمله ينبغي أن يكون امينا أي لا يأخذ إلا مايناسبه من الأجر لأنه يحرص على المال الحلال ويؤدي العمل بإتقان إن كان في مستشفى أو في مدرسه يؤدي عمله بإتقان ليكون اجره حلال فلا يترك العمل في الميدان الرئيسي ويدعوهم إلى الذهاب إليه في مكانه الخاص فإن هذا من خيانة الأمانة

وهذا ما كثّر المشاكل والأمراض والاعراض بين عباد الله المسلمين اجمعين
قال صلى الله عليه:
"كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ" (رواه احمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)
وقال صلى الله عليه وسلم :
"أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك ، ولا تَخُنْ من خانَك" (الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه)
أو كما قال

ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابه

الحمدلله رب العالمين

وأشهد أن لا ‘له إلا الله وحده لا شريك له يحب عباده المتقين

وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

أيها الأحبه بارك الله عز وجل فيكم اجمعين.

ما ذكرناه من الأمأنات الشرعيه ولم نستطع لضيق الوقت أن نطوف بها كلها لأنها تحتاج إلى وقت طويل لكن يتوقف عليها صلاح الأفراد والبيوت والمجتمعات فإذا أنتشرت الأمأنة بين قوم فليستبشروا برعايه الله وعنايه الله وتوفيق الله تبارك وتعإلى

ولذلك كان من علامات القيامه عندما سُئل صلى الله عليه وسلم وسأله رجل متى الساعه
فقال صلى الله عليه وسلم
"إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ" (البجاري عن أبي هريرة رضي الله عنه)

لأن الأمانة تقتضي أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب فيصلح نفسه ويصلح من حوله وينصلح حال المجتمع كله

وجعل الله عز وجل في الإنسان امانات سلمها لي ولك ويحاسبنا بعد أنتهاء حياتنا الدنيا عليها.
فجعل البصر أمانه تنظر به في كتاب الله تنظر به إلى الافاق لتتفكر في خلق الله أو تنظر به إلى احوال الفقراء والمساكين فتصلهم تنظر به إلى كبار السن فتشفق عليهم تنظر به إلى الاولاد الصغار فترحمهم وتعطف عليهم

أما إذا استغلته في النظر إلى الذاهبات والأتيات والتحسس والتجسس على الأخرين أو في النظر إلى المعاصي والذنوب التي نهى عنها رب العالمين فقد خنت هذه الأمانة أمانه البصر

وجعل السمع أمانة واللسان أمانة وكذلك اليد أمانة وكذلك الرجل أمانة وكذلك البطن أمانة وكذلك الفرج أمانة فتلكم أمانات الله فيك يا أيها الإنسان
إذا احسنت استخدامها كما يرضي الرحمن سار كل عضو منها باب لك من ابواب الجنان وإذا خالفت فيها حضره الرحمن وخالفت سنه النبي العدنان اصبح كل باب فيها باب لك من ابواب النيران

نسأل الله تبارك وتعإلى الحفظ والسلامه اجمعين
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل زاهقا وهالكا وارزقنا اجتنابه
متابعة صفحة الخطب الإلهامية
الدخول على موقع فضيلة الشيخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق