الأحد، 22 سبتمبر 2013

حقيقة الثورة

ثورة على النفس
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الذى أكرمنا وكرَّمنا وجعلنا من عباده المسلمين، وأعزَّنا بعز شرعه فى الدنيا بين الخلق أجمعين، ونسأله عز وجل أن يتم علينا النعمة أجمعين فيجعلنا من الفائزين الناجحين يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده مقاليد الأمور، وتصريف الدهور، سبحانه سبحانه هو وحده الذى يُغَير ولا يَتغير، ويُحَول ولا يتحول، ويُقَلب ولا يتقلب، ويُصَرف ولا يتصرف، بأنه وحده هو الفعال لما يريد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، النجم الساطع بين النبيين والمرسلين، والذى أصلح به مولاه أمور الدنيا وتعاليم الدين، وجعل الخلق به بعد الذلة يعزون، وبعد الفقر يستغنون، وبعد التفرقة يجتمعون، وجعلهم به خير أمة أخرجت للناس أجمعين، اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا أجمعين للعمل بشرعه يا الله، واجعلنا أجمعين تحت لواء شفاعته يوم الدين، واحشرنا فى زمرته فى رياض جنات النعيم أجمعين ...... آمين آمين يارب العالمين.
وبعد أيها الأخوة المؤمنون:
الحمد لله الذى أكرمنا فى بلدنا وغيَّر حالنا وأصلح شئوننا، ولكن أريد أن أهمس فى آذان إخوانى الحاضرين والسامعين أجمعين، أنه لن يتغير حالنا إلى أحسن حال، ولن تفيض الأرزاق وتزيد الأموال إلا إذا غيَّرنا ما بنفوسنا، لابد لنا من ثورة فى نفوسنا أجمعين، نساءاً ورجالاً، شباباً وشيوخاً، أفراداً وجماعات، لأن الله عز وجل يقول: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [11الرعد] وما الذى فى نفوسنا أو فى نفوس البعض ويحتاج إلى التغيير؟ لابد أن نقتلع الأنانية من جذورها، ويكون الفرد أحرص على الجماعة من نفسه لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم فى ذلك: { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } فتتلاشى النزعات الفردية، والأهواء الفردية فى سبيل المصلحة العامة الجامعة التى فيها خير لهذه الأمة المحمدية، ننتزع الأحقاد من جذورها، نقتلع الأحساد والبغضاء من صدورنا، ونكون كما وصف الله المؤمنين – ونحن إن شاء الله منهم – فى كتابه: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [47الحجر] لابد أن ينزع المؤمن كل ما فى قلبه من الأشياء الفردية التى تجعله يُؤثر نفسه على غيره، ويُفضل مصلحته الشخصية على مصالح الجماعة، وكل تكالبه على شهوته أو حظه أو على ما يرجوه فى هذه الساعة، ولا شأن له فى الآجل والعاجل بشأن الجماعة، لأن هذا هو أُس المرض الذى أخَّرنا هذه السنين الطوال، وكل من يجرى محاسبته الآن، وما نراه وما نقرأه لهذا المرض اللعين الذى استشرى فى صدورهم، ولذلك إذا أردنا إصلاح أحوالنا أجمعين لابد أن نعالج هذه الأمراض فى قلوبنا، قال حبيبى وقرة عينى صلى الله عليه وسلم: { إن فى الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب } وكان صلى الله عليه وسلم جالساً فى يوم بين إخوانه من الأنصار والمهاجرين، وجاء رجل عليه أثر الوضوء من بعيد، فقال حضرة النبى صلى الله عليه وسلم عندما رآه: { يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة } فجلس الرجل فى مجلس حضرة النبى، ثم بدا له أن يقوم فقام، فقال صلى الله عليه وسلم فى شأنه:
{ قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة } ورُوى أنه تكرر منه هذا الحوار ثلاث مرات، وكان فى المجلس عُبَّاد الصحابة، وكان منهم عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، وعبد الله بن عمرو رضى الله عنهما، وكانا يقومان الليل كله بين يدى الله راكعين ساجدين، ويصومان الدهر كله إلا الأيام التى حرَّم صيامها سيد الأولين والآخرين، فقالا فى نفسيهما وما العمل الذى يزيد به هذا الرجل علينا ليكون من أهل الجنة؟! فأخذهما الفضول فذهب أحدهما إلى بيته، ولما دقَّ عليه الباب وفتح له زعم أنه جرى خلاف بينه وبين أبيه ويطمع فى استضافته، فأضافه، وانتظر يراقب عمله، *** يجده يقوم بعد صلاة العشاء إلا قبل الفجر بساعة ويتوضأ ويذهب لحضور صلاة الفجر مع الحبيب فى الجماعة، وفى الصباح يُقدم له الفطور ويفطر معه، وفى اليوم الثانى كذلك وفى الثالث كذلك، فقال له: يا عماه لم يحدث بينى وبين أبى خلاف ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى شأنك: { يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة } ويقول بعد قيامك: { قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة } فما العمل الذى تعمله وتستوجب به ذلك؟ قال: والله لا أزيد عما رأيت، ولما رأى الحيرة فى وجهه قال له: غير أنى أبيت وليس فى قلبى غل ولا غش ولا حقد لأحد من المسلمين، قال: فبذلك، فذهب عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا به صلى الله عليه وسلم يوجه الخطاب له ويقول: { يا بنى إن استطعت أن تبيت وليس فى قلبك غل ولا غش ولا حقد لأحد من المسلمين فافعل فإن ذلك من سنتى ومن فعل سنتى كان معى فى الجنة } هذا حال مجتمع المؤمنين الذين أصلح الله بهم الدنيا، وأصلح الله لهم شئونهم أجمعين، محو الفردية من نفوسهم، وأصبح كل همهم فى مصالح الجماعة، وفى الحرص على إخوانهم، ناهيك عن أن الله عز وجل جعل عبادة هذه الأمة الفاضلة بعد الفرائض هى التى تتعلق بالخلق، ليس العبادة التى ترفع المرء درجات عند الله قيامه الليل قائماً أو راكعاً أو ساجداً، أو صيامه الدهر، أو تلاوته لكتاب الله، أو تسبيحه وتهليله وذكره لله، لأن كل ذلك عمل صالح يقول فيه الله: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }[15الجاثية] أما العمل الأكبر فى الفضل والغنيمة عند الله هو الذى يتعلق بخلق الله، وقد أوجب النبى صلى الله عليه وسلم لكل مسلم حقوقاً فى أعناق إخوانه المسلمين أجمعين، وإذا كان المسلم يتغاضى عن المطالبة بحقوقه فى الدنيا فإن الذى يطالب بحقوقه يوم القيامة هو أحكم الحاكمين ورب العالمين عز وجل، جعل لك حقاً على كل مسلم أن يُسَلم عليك إذا قابلك، وحق على كل مسلم فى عنقك أن تُسَلم عليه إذا لقيته سواء عرفته أو لم تعرفه، لأن الحبيب قال لأبى هريرة رضي الله عنه: { يا أبا هريرة ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف ينشرح صدرك للإسلام } أين نحن الآن من هذه الشعيرة؟ أين نحن الآن من هذا الحق؟ إذا دخلت المسجد تُسَلم على الحاضرين، وإذا خرجت من المسجد تُسَلم على من تراهم فى الشارع، وإذا دخلت بيتك تُسَلم على أهلك، وإذا خرجت من عندهم تُسلم مودعاً لأهلك، لا تمر على مسلم تعرفه أو لا تعرفه إلا وتُلقى عليه السلام بتحية الإسلام، لا يجوز أن تحييه بما نقول كصباح الخير أو مساء الخير، أو ما شابه ذلك إلا بعد السلام لأنه تحية الإسلام، ينبغى على كل مسلم حقوق سأسردها عداً لأن شرحها يحتاج إلى وقت طويل، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: { حق المسلم على المسلم أن يُسَلم عليه إذا لقيه، وأن يعوده إذا مرض، وأن يُشَيع جنازته إذا مات، وأن يُعينه إذا احتاج، وأن يُهنأه إذا فرح، وأن يُعذيه إذا أصيب } حقوق وواجبات لابد لكل مسلم أن يقوم بها لإخوانه حتى يكون المسلمون أجمعون كرجل واحد أو كأسرة واحدة يقول فيهم الله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[10الحجرات] فإذا لم يقم بهذه الحقوق وكان يوم الدين، يأتى رب العالمين بالرجل الذى قصَّر فى حقوق إخوانه المسلمين ويقول: { عبدى مرضت *** تعدنى، فيقول: سبحانك تنزهت كيف تمرض وأنت رب العالمين؟! فيقول: مرض عبدى فلان *** تعده، ولو عدته لوجدتنى عنده } من الذى نزوره فى حيز نطاقنا؟ قال الحبيب لنا: { امشى ميلاً وزر مريضاً } أى يجب عليك أن تتحسس المرضى وخاصة الفقراء على مسافة كيلو مترين إلا ربع من جميع الجهات حتى يتكافل المؤمنون ويكونون يسعون لمنافع بعض ويرفعون شأن بعض، ثم يقول: { عبدى جعت *** تطعمنى، فيقول العبد: سبحانك تنزهت كيف تجوع وأنت رب العالمين؟! فيقول: جاع عبدى فلان ولو أطعمته لوجدت ذلك عندى } أما المؤمن الذى يأكل فى بيته وسكنه ما لذ وطاب ولا يحس بمن حوله فيقول فى شأنه الحبيب: { والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع ولا يشعر به }لابد أن يستشعر هذا لإخوانه المؤمنين، أما من يغش المؤمنين فى كيل أو وزن أو بيع أو شراء أو كلام أو غيره فيقول فيه الحبيب: { من غشنا فليس منا } ليس من أمة الحبيب المختار، ومن يُخزِّن الطعام فى وقت ليُغلى سعره على المؤمنين يقول فيه صلى الله عليه وسلم: { من احتكر قوتاً ليُغلى على المؤمنين أسعارهم فليتبوأ مقعده من جهنم } والقوت هو الطعام الذى يؤكل كالدقيق والخبز والسكر والزيت أو ما شابه ذلك، فليس من المسلمين من يفعل ذلك لأنه وصف المسلمين فقال: { ترى المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله } أو كما قال: { ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة }
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الذى يُعز من يشاء ويُذل من يشاء ويؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من تمسك بشرعه هداه، ومن هداه إلى قربه آواه، ومن آواه جعله فى أرغد عيش فى الدنيا وأسعد حال يوم لقياه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، التقى النقى، الذى جعله مولاه رحمة تامة سابغة للخلق أجمعين، اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين وعلى صحابته المباركين، وعلى كل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين .... آمين آمين يارب العالمين.
أيها الأخوة المؤمنون:
دعانا الله عز وجل أجمعين إلى أن نتكاتف ونتعاون ونتماسك لنصلح شأن بلدنا وشأن أوطاننا وشأن كل شئ هو لنا، لا نقول الحكومة ونقف صامتين ونسعى إلى المظاهرات بين الحين والحين مطالبين الحكومة التى لم تثبت أقدامها بعد
بما لا تستطيع أن توفيه، وإنما نضع أيدينا فى أيدى بعضنا ونكون كما قال الله: { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ }[105التوبة] نعمل ونبدأ العمل والله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملا، ونوقف هذه التُرهات وهذه الخلافات، ونعين شبابنا على ترشيد أمورهم وعلى تصويب أفكارهم وعلى الأشياء العظيمة التى يقومون بها لبلدهم، فنجدهم يسعون لتجميل الشوارع والميادين، لماذا لا نشاركهم؟! من شاء فليشاركهم بماله، ومن شاء فليشاركهم بنفسه، ومن شاء فليشاركهم بما يستطيع لأن الإسلام كما قال نبيه: { بنى الإسلام على النظافة } ديننا دين النظافة، يحب نظافة البيوت ونظافة الشوارع ونظافة الأفراد، دين يحرص لكل من يحضر صلاة الجمعة أن يغتسل ويلبس أحسن ما عنده ويضع أفخر عطر عنده حتى تكون المساجد كلها معطرة ولا يُشم فيها إلا الروائح الطيبة، ويأمر القائمين على المساجد أن يجمرونها بالبخور، فالمساجد تكون رائحتها بخور والأشخاص رائحتهم عطرة، هكذا حال هذا الدين لأن الله كما قال صلى الله عليه وسلم: { إن الله جميل يحب الجمال } فأعينوا شبابكم على تجميل بلدتنا وشوارعنا بما تستطيعون، وقولوا للناس حسناً، وإياكم والغيبة والنميمة فإن هذا زمان تكثر فيه الغيبة والنميمة، لا تسب أحداً إلا إذا تحققت، ولا تتكلم فى حق أحد إلا إذا وقعت فى يديك مستندات، لأن المسلم كما قال فيه صلى الله عليه وسلم: { كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } وإذا وقعت معك المستندات فهناك جهات خُصصت لذلك فأرسلها إليها وهى تتولى ذلك، لكن علينا فى هذا الوقت الكريم أن نعمل بقول حبيبنا صلوات ربى وتسليماته عليه: { إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه }.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
خطبة الجمعة لسماحة الشيخ فوزى محمد أبو زيد بتاريخ29 من ربيع الأول1432هـ 4/3/2011م
http://www.fawzyabuzeid.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إصلاح الأفراد والمجتمعات بأخلاق الإسلام

  إصلاح الأفراد والمجتمعات بأخلاق الإسلام خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد الحمد لله رب العالمين أنعم علينا بالقرآن وهدانا أعظم...