الاثنين، 23 مايو 2022

حسن النوكل على الله


الحمد لله رب العالمين، أعزَّ جنده، ونصر نبيَّه ورسوله وعبده، وهزم الأحزاب وحده. سبحانه .. سبحانه، من توكَّل عليه كفاه، ومن افتقر إليه أغناه، ومن استمدَّ منه الحول والطول قوَّاه، ومن اكتفى به كفاه جميع من عاداه ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [3الطلاق].

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، بيده الملك، وبيده الملكوت، وبيده الضرُّ، وبيده النفع، وبيده الموت والحياة وإليه النشور. وأشهد أن سيِّدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، النَّبِيُّ التَّقيُّ النَّقيّ، الذي أغناه مولاه به عمَّن سواه، وجعل النصر حليفه أينما تحرك وحيثما سار، بل إنه عزَّ وجلَّ جعل خاتم نبوته شعرات مكتوبة بمداد القدرة - في ظهره في الناحية اليسرى مقابل قلبه – مكتوب عليها: (توَّجه حيث شئت فإنك منصور).

اللهم صلِّى وسلم وبارك على سيِّدنا محمد الذي نصره الله على كلِّ من عداه، وقوَّاه وقوَّى به كل من آمن به ووالاه، وجعله حجَُّة على الناس أجمعين بإقامة شعائر الله. صلِّى الله عليه وعلى آله الذين آووه ونصروه، وأصحابه الذين تابعوه وأعانوه، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وآل بيته الطيِّبين، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

أما بعد .. فيا أيها الأخوة المؤمنون:

ونحن في بداية عام هجريٍّ جديد – نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعله عام نصر وتمكين، وخير وفتح لنا وللمسلمين أجمعين، وأن يمكننا فيه من نواصي اليهود والكافرين، وأن يُعلي راية (لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله)، ويذل الشرك ومن عاونه ووالاه، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.

أحداث الهجرة لنا فيها عِبر لا تُعد ولا تُحصى، لأنها من القصص الإلهي الذي يقول فيه الله عزَّ وجلَّ في قرآنه الكريم عن النبيين والمرسلين في: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾. [111يوسف]. وسنأخذ اليوم - حتى لا نطيل عليكم - عبرةً واحدةً من حادثة الهجرة، عبرة نافعة لنا ولإخواننا المسلمين أجمعين.

إن الله عزَّ وجلَّ كان - قبل الهجرة بعام - أخذ حبيبه صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، أخذه من مكة إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى السموات العلى سماء تلو سماء، وكما قال صلى الله عليه وسلم: {بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وعرض كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام} (تهذيب سنن أبي داود، والأسماء والصفات للبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه). اجتاز كل هذه السموات ودخل الجنات، وذهب إلى العرش، ثم تجاوز العرش إلى قاب قوسين أو أدنى، ورجع وفراشه الذي كان ينام عليه لم يبرد بعد!!.

رب العزة عزَّ وجلَّ الذي فعل معه ذلك، لماذا جعله يخرج والقوم يتربصون به؟!! ويختبأ في الغار ثلاثة أيام؟!! ثم يسلك طريقاً غير الطريق الذي يمشى فيه سائر الأنام؟!! وتستمر الهجرة من مكة إلى المدينة لمدة أسبوع على التمام؟!! ليوضح لنا الله عزَّ وجلَّ أجمعين - ونحن أمة الإجابة، آمنا بالله وصدقنا برسول الله، وفوضنا أمورنا كلها إلى حضرة الله، وتوكَّلنا في كل أحوالنا وأعمالنا على الله - فالله عزَّ وجلَّ يضرب لنا المثل في حبيبه ومصطفاه أن من اعتمد على الله كفاه مولاه كلَّ همٍّ وكلَّ غمّ، وفرَّج الله عنه كل الشِّدَّات والكُرُبَات، كما فعل - تماماً بتمام - مع الحبيب المصطفي عليه أفضل الصلاة والسلام.

وانتبه معي إلى قول الله عزَّ وجلَّ  - لنا وللمعاصرين للنبي الأمين، من عاونوه، ومن تخلوا عنه، ومن حاربوه، ومن آذوه - يخاطب الكلَّ فيقول: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ﴾ [40التوبة]. لم يقل الله عزَّ وجلَّ: (فقد ينصره الله)، فقد ينصره .. أي أن النصر سيأتي في المستقبل، لكن الله أخبر في كتابه - وكتابه قبل القَبْلِ - أنه نصر حبيبه قبل خلق الخلق، قبل إيجاد الأكوان، وقبل إيجاد أي شيء في عالم الدنيا!! جعل الله عزَّ وجلَّ حبيبه صلى الله عليه وسلم منصوراً أينما حلَّ، وأينما ذهب، وحيثما كان.

نصره الله عزَّ وجلَّ فكفاه شرَّ أعدائه، فخرج من بينهم وهم متربصون بالبيت، ويترقبون خروجه، وأخذ الله أبصارهم فلم يرونه!! وكان يتحدث بعضهم مع البعض فيقول: إن محمداً يزعم أن من أتبعه سيكون لنا جنان – أي حدائق وبساتين – كجنان الأردن والعراق!! فقال: نعم أنا أقول ذلك، لكن الله أخذ أسماعهم فلم يسمعون!! ﴿ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ (9يس). وزاد الحبيب صلى الله عليه وسلم في غيظهم فأخذ حفنة من التراب ومرَّ على جميعهم ووضع على رأس كلٍّ واحد منهم حفنة من هذا التراب، لكن الله أخذ إحساسهم كما أخذ سمعهم وأبصارهم، فلم يحسوا بوقع التراب على رؤوسهم!!

وذهب النبي صلى الله عليه وسلم وتكفَّل الله بحمايته - حماه في الغار، وحماه عندما خرج من الغار وهو سائر في الطريق إلى الأنصار - وجعل من جملة جنده الذين يؤيدونه ويدفعون عنه الأرض، فقال له الأمين جبريل: الأرض طوع أمرك فمُرْهَا بما شئت. فمن لحقه منهم قال للأرض: خذيه، فانشقت وأخذته، فلما استغاث به قال لها: دعيه، فتركته، فلما عاود ما في ذهنه قال لها: خُذيه، فأخذته، وتكرر الأمر منه إلى الأرض ثلاث مرات، وهي لا تعصى له أمراً!! لأن الله عزَّ وجلَّ أمرها أن تكون طوع أمره.

ثم تاب هذا الرجل من فعله، وجعله الله عزَّ وجلَّ جنديًّا يدافع عن النَّبِيِّ!!! فذهب إلى قومِهِ وعَمَّى عنهم الطريق الذي سلكه النبيّ، وكلما سألوه عن الطريق الذي سار فيه يقول لهم: (أنا مشيت في هذا الطريق ولم أجد فيه أحداً فاذهبوا إلى غيره)!! فكانت عناية الله عزَّ وجلَّ معه أينما حلَّ وكيفما سار:

وقايــةُ اللهِ أَغْنَتْ عَنْ مُضَـاعَفَةٍ          مِنْ الدُّرُوعِ وَعَنْ عَالِ مِنْ الأُطَمِ

فالصدق في الغار والصديق لم يَرِمَا         وهـم يقولون ما بالغار من إِرَمِ

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على          خير البرية لم تنســج ولم تَحُمِ

حَمَاهُ الله بما علمناه جميعاً، ثم أراد الله عزَّ وجلَّ إعزازه عند دخول المدينة المنورة، فلم يجعله يدخل دخول الخائفين أو الفارِّين، وإنما جع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إصلاح الأفراد والمجتمعات بأخلاق الإسلام

  إصلاح الأفراد والمجتمعات بأخلاق الإسلام خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد الحمد لله رب العالمين أنعم علينا بالقرآن وهدانا أعظم...